فثبت بذلك أن انتفاع المؤمن بدعاء المؤمنين، سواء عليه، أكانوا من ولده أم من غيرهم: إنما هو انتفاع بكسبه وسعيه وعمله لا بكسب غيره ولا بسعي سواه ولا بعمل الناس.
قال ابن تيمية:
ثانيها: أن النبي ﷺ يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بعمل الغير.
ونقول وبالله نعتصم وبقوله الحق نتأيد: أما في الموقف فالشفاعة لا تنفع الكفار، ولا هي بمغنية عنهم شيئاًً، فهم منتقلون من كربة إلى كربات، ومن شدة إلى شدات وحسبنا دليل على ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)).
والآيات في معناها كثير.
فكيف يقال مع هذه النصوص الصريحة: إنهم انتفعوا بشفاعة الرسول ﷺ أو إنهم انتفعوا بعمل غيرهم؟ وهم أعداء الله وأعداء رسوله الذين حبطت أعمالهم، وضل سعيهم، ولا يقام لهم يوم القيامة وزن، ولا تنالهم من الرسول ﷺ شفاعة ولا من الله تعالى رحمة.
وأما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر فتكون شفاعة الرسول ﷺ ثواباً لإيمانهم. ولولا إيمانهم لم ينالوا هذه الشفاعة، فهم في واقع الأمر وحقيقته قد انتفعوا بكسبهم واستفادوا بسعيهم، وقطفوا ثمرة عملهم فكيف يقال إنهم انتفعوا بعمل غيرهم، وما انتفاعهم بعد فضل الله ورحمته إلا بمحض عملهم.
وأما شفاعته ﷺ لأهل الجنة في دخولها فهي كذلك ثواب أعمالهم لقوله تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) فلولا إنهم آمنوا


الصفحة التالية
Icon