سالم، واختارها أبو عبيد، قال لأن السالم الخالص ضد المشترك والسلم ضد الحرب، ولا موضع للحرب ههنا، وأجيب عنه بأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولالهما، فالسلم وإن كان ضد الحرب فله معنى آخر بمعنى سالم من سلم له كذا إذا خلص له، وأيضاً يلزمه في سالم ما ألزم به لأنه يقال شيء سالم أي لا عاهة به، واختار أبو حاتم القراءة الأولى، والحاصل أن قراءة الجمهور هي على الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف، أي ذا سلم، ومثلها قراءة سعيد بن جبير ومن معه، قال ابن عباس، رجلاً سلماً أي ليس لأحد فيه شيء، ثم جاء سبحانه بما يدل على التفاوت بين الرجلين فقال:
(هل يستويان مثلاً) وهذا الاستفهام للإنكار والاستبعاد، والمعنى هل يستوي هذا الذي يخدم جماعة شركاء؟ أخلاقهم مختلفة، ونياتهم متباينة، يستخدمه كل واحد منهم فيتعب وينصب، مع كون كل واحد منهم غير راض بخدمته، وهذا الذي يخدم واحداً لا ينازعه غيره إذا أطاعه رضي عنه، وإذا عصاه عفا عنه؟ فإن بين هذين من الاختلاف الظاهر الواضح ما لا يقدر عاقل أن يتفوه باستوائهما لأن أحدهما في أعلى المنازل، والآخر في أدناها، وانتصاب مثلاً على التمييز المحول عن الفاعل لأن الأصل هل يستوي مثلهما؟ أي حالهما وصفتهما؟ وأفرد التمييز ولم يثنه لأن الأصل في التمييز الإفراد لكونه مبنياً للجنس، وقال السمين وأفرد التمييز لأنه مقتصر عليه أولاً في قوله ضرب الله مثلاً، وقرىء مثلين فطابق حالي الرجلين.
وجملة (الحمد لله) مقررة لما قبلها من نفي الاستواء بطريق الاعتراض وللإيذان للموحدين بما في توحيدهم لله من النعمة العظيمة المستحقة لتخصيص الحمد به، أي الحمد لله على عدم استواء هذين الرجلين، وقيل: الجملة اعتراضية فإن قوله (بل أكثرهم لا يعلمون) إضراب انتقالي من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس، وهم المشركون، فإنهم لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره ووضوحه،


الصفحة التالية
Icon