بخلقها، قال الرازي: هو من قولهم، استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجهاً لا يلتفت معه إلى عمل آخر، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونظيره قولهم: استقام إليه، ومنه قوله تعالى: (فاستقيموا إليه) والمعنى ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السموات بعد خلق الأرض وما فيها قال الحسن: المعنى صعد أمره إلى السماء، ويفهم من هذه الآية أن خلق السماء كان بعد خلق الأرض وبه قال ابن عباس، وقوله: (والأرض بعد ذلك دحاها) مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السماء.
والجواب أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين فقط، بل هو عبارة عن التقدير أيضاًً، فالمعنى قضى أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء وعلى هذا يزول الاشكال، وقال الشوكاني بعد ذكر هذا الاستشكال.
إن ثم ليست للتراخي الزماني (١) فالجمع ممكن بأن الأرض خلقها متقدم على خلق السماء، ودحوها بمعنى بسطها هو أمر زائد على مجرد خلقها، فهي متقدمة خلقاً متأخرة دحواً، وهذا ظاهر انتهى.
ولعله يأتي عند تفسيرنا لقوله: (والأرض بعد ذلك دحاها) زيادة إيضاح للمقام إن شاء الله تعالى، وقد تقدم هذا الجمع في سورة البقرة ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد دحوها فالإشكال باق، وعلى هذا لا يتفضى عن الإشكال إلا بما ذكر في ثم؛ أو أن بعد بمعنى قبل أو بمعنى مع.
(وَهِيَ دُخَانٌ) هو ما ارتفع من لهب النار ويستعار لما يرى من بخار الأرض، قال المفسرون هذا الدخان هو بخار الماء، وقياس جمعه في القلة أدخنة، وفي الكثرة دخيان، وهي من باب التشبيه الصوري لأن صورتها صورة الدخان في رأى العين، وخص سبحانه الاستواء إلى السماء مع كون الخطاب المترتب على ذلك متوجهاً إليها وإلى الأرض، كما يفيده قوله: (فَقَالَ لَهَا
_________
(١) سقط من الأصل: بل للتراخي الرتبى فيندفع الإشكال من أصله، وعلى تقدير ينها للتراخي الزماني.