والحروف الدالة على تلك المعاني، ثالثها أن يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان، وتلك الأمارات تسمى شهادات، كما يقال: العالم يشهد بتغيرات أحواله على حدوثه.
وقال الكرخي: ينطقها الله تعالى كإنطاق اللسان فتشهد. وليس نطقها بأغرب من نطق اللسان عقلاً، وإيضاحه أن البنية ليست شرطاً للحياة والعلم والقدرة فالله تعالى قادر على خلق العقل والقدرة والنطق في كل جزء من أجزاء هذه الأعضاء.
قال مقاتل تنطق جوارحهم بما كتمت ألسنهم من عملهم بالشرك.
والمراد بالجلود هي جلودهم المعروفة في قول أكثر المفسرين. وقيل: المراد بها الجوارح مطلقاً، فالعطف من قبيل عطف العام على الخاص. وقال السدي وعبيد الله بن أبي جعفر والفراء: أراد بالجلود الفروج وهو من باب الكنايات كما قال تعالى: (لا تواعدوهن سراً) أراد النكاح، وقال تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) والمراد قضاء الحاجة، وفي الحديث: " أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه "، وعلى هذا التقدير تكون الآية وعيداً شديداً في إتيان الزنا لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالفخذ والأول أولى.
ووجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها مع أن الحواس خمسة، وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وآلة اللمس هي الجلد، ما ذكره الرازي أن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الأنف مماسة لجرم المشموم فكانا داخلين في حس اللمس انتهى.
وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال كما قال: