محذوف لدلالة ما قبله عليه وبفتحها على التعليل، أي لأن كنتم قوماً منهمكين في الإسراف مصرين عليه مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة، قال ابن عباس في الآية أحببتم أن نصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به، ثم سلى سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال:
(وكم أرسلنا من نبي في الأولين) كم هي الخبرية التي معناها التكثير والمعنى: ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم السابقة.
(وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) كاستهزاء قومك بك
(فأهلكنا) قوماً (أشد منهم) أي من هؤلاء القوم (بطشاً) أي قوة تمييز أو حال، أو باطشين والأول أحسن، والبطش شدة الأخذ (ومضى مثل الأولين) أي سلف في القرآن في غير موضع منه، ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل لشهرتها، وقال قتادة: عقوبتهم، وقيل: صفتهم في الإهلاك والمثل الوصف والخبر، وفي هذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتهديد شديد لهم لأنه يتضمن أن الأولين أهلكوا بتكذيب الرسل، وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به هلكوا مثلهم.
(ولئن) لام قسم (سألتهم) أي هؤلاء الكفار من قومك (من خلق السموات والأرض) أي هذه الأجرام العلوية والسفلية (ليقولن خلقهن العزيز العليم) جواب القسم لا جواب الشرط، وهذا على القاعدة في اجتماع الشرط والقسم، من حذف جواب المتأخر منهما وحذف منه نون الرفع لتوالي النونات وواو الضمير لالتقاء الساكنين، وكرر الفعل للتوكيد إذ لو جاء (العزيز) بغير (خلقهن) لكان كافياً، والمعنى أقروا بأن الله خالقهن ولم ينكروا ذلك وهذا أسوأ لحالهم وأشد لعقوبتهم، لأنهم عبدوا بعض مخلوقات الله وجعلوه شريكاً له، بل عمدوا إلى ما لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر من المخلوقات، وهي الأصنام فجعلوها شركاء لله، ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على عظيم نعمته على عباده، وكمال قدرته في مخلوقاته فقال:


الصفحة التالية
Icon