يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علماً؟ وهذا تناقض، فإن قال لأن معلمي -وإن كان أصغر- فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك، قيل له وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه فليلزمه تقليده، وترك تقليد معلمك وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك؛ فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع والتابع من دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى أبداً، وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضاً وفساداً.
قال أبو عمرو قال أهل العلم والنظر حد العلم التبيين، وإدراك المعلوم على ما هو به، فمن بأن له الشيء فقد علمه، قالوا والمقلد لا علم له، لم يختلفوا في ذلك، ومن ههنا والله أعلم قال البحتري:

عرف العالمون فضلك بالعلـ ـم قال الجهال بالتقليد
وأرى الناس مجمعين على فضـ ـلك من بين سيد ومسود
وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة. وقال في موضع آخر من كتابه كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ، والتقليد ممنوع اهـ.
قال ابن حارث: هذا والله الدين الكامل والعقل الراجح. لا كمن يأتي بالهذيان ويريد أن ينزل قوله من القلوب منزلة القرآن اهـ. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يرد عليهم فقال:


الصفحة التالية
Icon