يخبرهم بأنه امتثل الأمر وانقاد، وعبد الله وأخلص له الدين على أبلغ وجه، وآكده، إظهاراً لتصلبه في الدين، وحسماً لأطماعهم الفارغة، وتمهيداً لتهديدهم فقال:
(قل الله أعبد) التقديم مشعر بالاختصاص، أي لا أعبد غيره لا استقلالاً ولا على جهة الشركة، ومعنى (مخلصاً له ديني) أنه خالص لله غير مشوب بشرك ولا رياء ولا غيرهما، وقد تقدم تحقيقه في أول السورة، قال الرازي: فإن قيل ما معنى التكرير في قوله (إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين)، وقوله (قل الله أعبد مخلصاً له ديني) قلنا ليس هذا بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان والعبادة والثاني إخبار بأنه أمر أن لا يعبد أحداً غير الله.
(فاعبدوا ما شئتم) أن تعبدوه (من دونه) هذا الأمر للتهديد والتقريع والتوبيخ، كقوله (اعملوا ما شئتم) وفيه إيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى، وقيل إن الأمر على حقيقته، وهو منسوخ بآية السيف، والأول أولى.
(قل إن الخاسرين) الكاملين في الخسران هم (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) بتخليد الأنفس في النار وبعدم وصولهم إلى الحور المعدة لهم في الجنة لو آمنوا لأن من دخل النار فقد خسر نفسه وأهله، وأهلي جمع أهل وأصله أهلون أو أهلين والمراد بأهليهم أهل الآخرة، وقيل أزواجهم وخدمهم وقيل أهلهم في الدنيا لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم، كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده.
قال الزجاج وهذا يعني به الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وخسروا أهليهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، قال ابن عباس في الآية هم الكفار الذين خلقهم للنار، زالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة، وعنه قال أهليهم من أهل الجنة، كانوا أعدوا