(أئذا متنا وكُنَّا تُراباً) وأيضاًً قد وجد ههنا بعد الإستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب وهو قولهم: (ذلك رجع بعيد) فإنه استبعاد، وهو كالتعجب، فلو كان التعجب بقولهم: (هذا شيء عجيب) عائداً إلى قولهم (أئذا) لكان كالتكرار. فإن قيل التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيىء المنذر، فإن تعجبهم منه علم من قوله: (عجبوا أن جاءهم)، فقوله: (هذا شيء عجيب) يكون تكراراً، فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير، لأنه لما قال: (بل عجبوا) بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجباً، كقوله: (أتعجبين من أمر الله)؟ ويقال في العرف لا وجه لتعجبك مما ليس بعجيب، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم لا معنى لتعجبكم، فقالوا: (هذا شيء عجيب) فكيف لا نعجب منه ويدل على ذلك قوله ههنا: (فقال الكافرون) بالفاء فإنها تدل على أنه مترتب على ما تقدم.
قرأ الجمهور بالاستفهام وقرىء بهمزة واحدة فيحتمل الإستفهام كقراءة الجمهور، والهمزة مقدرة، ويحتمل أن يكون معناه الإخبار والمعنى استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم تراباً. ثم جزموا باستبعادهم للبعث فقالوا:
(ذلك) أي البعث (رجع بعيد) أي بعيد عن الأفهام أو العقول أو العادة أو الإمكان يقال رجعته أرجعه رجعاً، ورجع هو يرجع رجوعاً ثم رد الله سبحانه ما قالوه فقال:
(قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) أي ما تأكل من أجسادهم، فلا يضل عنا شيء من ذلك، ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث، ولا يستبعد منه وقال السدي: النقص هنا الموت، يقول قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى لأن من مات دفن، فكأن الأرض تنقص من الأموات، وقيل المعنى من يدخل في الإسلام من المشركين والأول أولى، قال ابن عباس في الآية: أجسادهم وما يذهب منها وما تأكل من لحومهم وعظامهم


الصفحة التالية
Icon