من اللعين مغالطة وإيهام لقومه، فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسر على يد ساحر ولا يفعله من به جنون، وقال أبو عبيدة: إن أو بمعنى الواو، لأنه قد قال ذلك جميعاً ولم يتردد، وبه قال المؤرج كقوله: (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً)، قال تعالى: (إن هذا لساحر عليم) وقال في موضع آخر: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون). وتجيء أو بمعنى الواو ورد الناس عليه وقالوا لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ وأما الآيتان فلا تدلان على أنه قالهما معاً وإنما يفيدان أنه قالهما أعم من أن يكونا معاً، أو هذه في وقت وهذه في وقت آخر ذكره السمين.
(فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) أي طرحناهم في البحر فغرقوا (وهو) أي فرعون (مليم) أي: آت بما يلام عليه حين ادعى الربوبية وكذب الرسل وكفر بالله وطغى في عصيانه، وفي الإسناد تجوز على حد عيشة راضية؛ يقال: ألام الرجل فعل ما يستحق عليه اللوم، واللوم العذل، تقول لامه على كذا، من باب قال: ولومه أيضاًً فهو ملوم، واللائمة الملامة.
(و) تركنا (في) قصة إهلاك (عاد) آية (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) وهي التي لا خير فيها ولا بركة لا تلقح شجراً ولا تحمل مطراً إنما هي ريح العذاب والإهلاك، قال علي: هي النكباء وهي كل ريح هبت بين ريحين لتنكبها وانحرافها عن مهاب الرياح المعروفة، وهي رياح متعددة لا ريح واحدة، قال ابن عباس: الريح العقيم الشديدة التي لا تلقح شيئاًً، وعنه قال: لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، واختلف فيها فقيل: الجنوب، والأظهر أنها الدبور.
" لقوله ﷺ نصرت بالصبا: وأهلكت عاد بالدبور "؛ العقم ههنا مستعار للمعنى المذكور على سبيل التبعية، شبه ما في الريح من الصفة التي تمنع من إنشاء مطر أو إلقاح شجر بما في المرأة من الصفة المذكورة التي تمنع من الحمل، ثم قيل العقيم وأريد به ذلك المعنى بقرينة وصف الريح


الصفحة التالية
Icon