عقابه، بأن تطيعوه ولا تعصوه؛ وقيل: المعنى أخرجوا من مكة، وقال الحسن ابن الفضل: احترزوا عن كل شيء غير الله، فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه، وقيل: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن؛ وقيل: فروا من الجهل إلى العلم. والمعاني متقاربة أي إذا علمتم أن الله تعالى فرد لا نظير له ففروا إليه، ووحدوه ولا تشركوا به شيئاًً (إني لكم منه) أي: من الله أي من جهته (نذير) منذر (مبين) بين الإنذار، والجملة تعليل للأمر بالفرار.
(ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر) تنصيص على أعظم ما يجب أن يفر منه وهو الشرك، فنهاهم عن الشرك بالله بعد أن أمرهم بالفرار إلى الله (إني لكم منه نذير مبين) تعليل للنهي؛ وتكرير للتوكيد، والإطالة في الوعيد أبلغ، أو الأول مرتب على ترك الإيمان والطاعة، والثاني مرتب على الإشراك وقيل إنما كرر ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز ولا ينجو عند الله إلا الجامع بينهما.
(كذلك) أي الأمر والشأن والقصة كذلك، والكاف بمعنى مثل، ثم فصل ما أجمله بقوله: (ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) في هذا تسلية لرسول الله ﷺ ببيان أن هذا شأن الأمم المتقدمة، وأن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله ﷺ ووصفه بالسحر والجنون قد كان ممن قبلهم لرسلهم
(أتواصوا به) الإستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب من حالهم أي: هل أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب وتواطؤوا عليه حتى قالوه جميعاً متفقين عليه؟ أو الاستفهام للنفي، أي: ما وقع منهم وصية بذلك لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد (بل هم قوم طاغون) إضراب عن التواصي إلى ما جمعهم من الطغيان، أي لم يتواصوا بذلك بل جمعهم الطغيان، وهو مجاوزة الحد في الكفر، فهو إضراب إنتقالي. ثم أمر الله سبحانه رسوله ﷺ بالإعراض عنهم فقال:
(فتول عنهم) أي: أعرض عنهم وكف عن جدالهم ودعائهم إلى الحق،


الصفحة التالية
Icon