بيّن سبحانه أنه هو الرازق لا غيره فقال:
(إن الله هو الرزاق) لا رازق سواه؛ ولا معطي غيره، فهو الذي يرزق مخلوقاته، ويقوم بما يصلحهم، فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة هذا تعليل لعدم إرادة الرزق منهم (ذو القوة المتين) تعليل لعدم إحتياجه إلى استخدامهم في تمامه، من إصلاح طعامه وشرابه، ونحو ذلك، قرأ الجمهور برفع المتين على أنه وصف لرزاق، أو لذو، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ مضمر، وعلى كل تقدير فهو تأكيد، لأن ذو القوة يفيد فائدته، وقرىء بالجر صفة للقوة والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي، قال الفراء: كان حقه المتينة فذكرها لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل، يقال: حبل متين، أي محكم القتل ومعنى المتين هنا الشديد القوة، قال ابن عباس: المتين الشديد:
(فإن للذين ظلموا) أنفسهم بالكفر والمعاصي، من أهل مكة وغيرهم (ذنوباً) أي نصيباً من العذاب (مثل ذنوب أصحابهم) أي: نصيب الكفار من الأمم السالفة، قال ابن الأعرابي: يقال: يوم ذنوب أي: طويل الشر، لا ينقضي. وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة، ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر:

لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب
وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبيرة، فيكون لهذا ذنوب، ولهذا ذنوب فهو تمثيل جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب، قاله ابن قتيبة، وقيل: عبر عن النصيب بالذنوب لشبهه به في أنه يصب عليهم العذاب كما يصب الذنوب، قال تعالى: (يصب من فوق رؤوسهم الحميم)، قال ابن عباس: ذنوباً دلواً، قال الراغب: الذنوب الدلو الذي له ذنب.


الصفحة التالية
Icon