الكن، ومنه كننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة.
(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً في الجنة عن حاله، وما كان فيه من تعب الدنيا، وخوف العاقبة، فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم، وما كانوا فيه من الكد والنكد، بطلب المعاش وتحصيل ما لا بد منه من الرزق، وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة وقيل: يقول بعضهم لبعض: بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل: إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور، والأول أولى، لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة.
أخرج البزار، عن " أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا فيتحدثان فيتكىء ذا ويتكىء ذا فيتحدثان بما كانوا في الدنيا، فيقول أحدهما: يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا، يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا " (١).
_________
(١) مسلم.
(قالوا) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل: قالوا إيماء إلى علة الوصول لما هم فيه من النعيم ومحط العلة قوله الآتي: (فمنّ الله علينا) (إنا كنا قبل) أي: من قبل الآخرة، وذلك في الدنيا (في أهلنا مشفقين) أي خائفين وجلين من عذاب الله، أو كنا خائفين من عصيان الله أو من نزع الإيمان وفوت الأمان، أو من رد الحسنات والأخذ بالسيئات، والمقصود إثبات خوفهم في سائر الأوقات، والأحوال بطريق الأولى، فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن، فإذا خافوا في تلك الحال، فلأن يخافوا دونها أولى، ولعل الأولى أن يجعل إشارة إلى معنى الشفقة على خلق الله، كما أن قوله الآتي (إنا كنا من قبل ندعوه)، إشارة إلى التعظيم لأمر الله.


الصفحة التالية
Icon