آل عمران، وفي مواضع (وهو عليم بذات الصدور) أي: بضمائرها ومعتقداتها ومكنوناتها، لا تخفى عليه من ذلك خافية.
(آمنوا بالله ورسوله) أي صدقوا بالتوحيد، وصحة الرسالة، وهذا خطاب لكفار العرب أو للجميع، ويكون المراد بالأمر بالإيمان في حق المسلمين الإستمرار عليه أو الإزدياد عليه، ثم لما أمرهم بالإيمان أمرهم بالإنفاق في سبيل الله فقال: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) أي جعلكم خلفاء في التصرف فيه، من غير أن تملكوه حقيقة، فإن المال مال الله، والعباد خلفاء الله في أمواله، فعليهم أن يصرفوها فيما يرضيه، وقيل: جعلكم خلفاء من كان قبلكم ممن ترثونه، وسينتقل إلى غيركم ممن يرثكم، فلا تبخلوا به، كذا قال الحسن وغيره، وفيه الترغيب إلى الإنفاق في سبل الخير وتهوين له على النفس قبل أن ينتقل عنهم، ويصير إلى غيرهم.
والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير وما يرضاه الله على العموم، وقيل هو خاص بالزكاة المفروضة، ولا وجه لهذا التخصيص، قال المحلي: نزل في غزوة العسرة، وهي غزوة تبوك، ويشكل هذا على القول بأن السورة مكية، وكذا على القول بأنها مدنية على استثناء هذه الآيات،
وكانت في السنة التاسعة بعد رجوعه ﷺ من الطائف، وهي آخر غزواته، ولم يقع فيها قتال، بل وقع الصلح على دفع الجزية، وإيضاح هذه القصة مذكور في سورة براءة فراجعها إن شئت.
ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله فقال: (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا) أي: الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، وبين الإنفاق في سبيل الله، وفيه إشارة إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، فإنه جهز في غزوة العسرة ثلثمائة بعير، بأقتابها وأحلاسها وأحمالها، وجاء بألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله ﷺ (لهم أجر كبير) وهو الجنة.


الصفحة التالية
Icon