(أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) هذه الجملة مستأنفة، وفي هذا دليل على أنها مخلوقة، وعلى أن استحقاق الجنة يكون بمجرد الإيمان بالله ورسله ولكن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها إلا من عمل بما فرض الله عليه، واجتنب ما نهاه الله عنه، وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة.
(ذلك) أي ما وعد به سبحانه من المغفرة والجنة (فضل الله يؤتيه) أي يعطيه (من يشاء) إعطاءه إياه تفضلاً وإحساناً، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله لا بعمله (والله ذو الفضل العظيم) فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع؛ والخير كله بيده، وهو الكريم المطلق، والجواد الذي لا يبخل، فلا يبعد منه التفضل بذلك، وإن عظم قدره، ثم بين سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره، وثبت في أم الكتاب، فقال:
(ما أصاب من مصيبة في الأرض) من زلزلة، وقحط مطر وجدب، وضعف نبات وقلته، ونقص ثمار وعاهة زرع، والمصيبة غلبت في الشر وقيل: المراد بها جميع الحوادث من خير وشر، وعلى الأول إنما خصت بالذكر دون الخير، لأنها أهم على البشر (ولا في أنفسكم) قال قتادة: بالأوصاب والأسقام، وقال مقاتل: إقامة الحدود، وقال ابن جريج: ضيق المعاش.
وقيل: موت الأولاد، واللفظ أوسع من ذلك (إلا في كتاب) أي إلا حال كونها مكتوبة في كتاب، وهو اللوح المحفوظ.
(من قبل أن نبرأها) أي نخلقها، والضمير عائد إلى المصيبة أو إلى الأنفس أو إلى الأرض أو إلى جميع ذلك، قاله المهدوي: وهو حسن، قال ابن عباس في الآية: هو شيء قد فرغ منه قبل أن تبرأ الأنفس (إن ذلك) أي إن إثباتها في الكتاب على كثرتها (على الله يسير) غير عسير.
(لكيلا تأسوا) أي أخبرناكم بأنا قد فرغنا من التقدير لكيلا تحزنوا (على ما فاتكم) من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها (ولا تفرحوا) أي لا تبطروا بطر المختال الفخور (بما آتاكم) منها أي أعطاكم، قرأ الجمهور بالمد. وقرىء بالقصر، أي جاءكم فإن ذلك يزول عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله، ولا للحزن على فوته.
قيل: والفرح والحزن المنهى عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز، وإلا


الصفحة التالية
Icon