فليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكراً، والحزن صبراً، وإنما يلزم من الحزن الجزع المنافي للصبر، ومن الفرح الأشر المطغي الملهي عن الشكر، كما قال ابن عباس: ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبراً، ومن أصابه خير جعله شكراً، وعنه قال: يريد مصائب المعاش، ولا يريد مصائب الدين، أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة، قال جعفر بن الصادق رضي الله تعالى عنه: يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرد إليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت.
(والله لا يحب كل مختال فخور) أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار، قيل: هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر، وقيل: إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها، وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الإستحقار، والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله.
(الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) قرأ الجمهور بضم الباء وسكون الخاء وقرىء بفتحتين وهي لغة الأنصار، وقرىء بفتح الباء وإسكان الخاء وضمهما، كلها لغات وهو كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله، والخبر مقدر أي الذين يبخلون بما يجب عليهم من المال كزكاة وكفارة، ومن تعليم العلم ونشره وإذاعة أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، فالله غني عنهم، وقيل: الموصول في محل جر بدل من مختال، وهو بعيد، فإن هذا البخل بما في اليد وأمر الناس بالبخل ليس هو معنى المختال الفخور، لا لغة ولا شرعاً، وقيل: نعت له، وهو أيضاًً بعيد.
ويدل على الأول قوله: (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) أي ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه، محمود عند خلقه، لا يضره ذلك، قرأ الجمهور بإثبات ضمير الفصل وقرىء بحذفه قال سعيد بن جبير الذين يبخلون بالعلم ويأمرون الناس بالبخل لئلا يعلموا الناس شيئاًً وقال زيد بن أسلم إنه البخل بأداء حق الله، وقيل: إنه البخل بالصدقة، وقال طاوس: إنه البخل بما في يديه، وقيل: أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد ﷺ في كتبهم، لئلا يؤمن به الناس فتذهب مآكلهم، قاله السدي والكلبي.