لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦)
(لقد) لام قسم (أرسلنا رسلنا) أي الملائكة، قاله الزمخشري والمحلي، وفيه بعد، وجمهور المفسرين على حمل الرسل على البشر (بالبينات) أي بالمعجزات البينة، والشرائع الظاهرة (وأنزلنا معهم الكتاب) المراد الجنس، فيدخل فيه كتاب كل رسول (والميزان ليقوم الناس بالقسط) قال قتادة ومقاتل بن حيان: الميزان العدل، والمعنى أمرناكم بالعدل كما في قوله: (والسماء رفعها ووضع الميزان)، وقوله: (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) وقال ابن زيد: هو ما يوزن به ويتعامل به، والمعنى ليتبعوا ما أمروا به من العدل فيتعاملوا فيما بينهم بالنصفة، والقسط العدل، وهو يدل على أن المراد بالميزان العدل، ومعنى إنزاله إنزال أسبابه وموجباته، وعلى القول بأن المراد به الآلة التي يوزن بها فيكون إنزاله بمعنى إرشاد الناس إليه، وإلهامهم الوزن به، ويكون الكلام من باب: (علفتها تبناً وماءاً بارداً).
(وأنزلنا الحديد) أي خلقناه كما في قوله: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وهذا قول الحسن، والمعنى أنه خلقه وأخرجه من المعادن، وعلم الناس صنعته، وقيل: إنه نزل مع آدم (فيه بأس شديد) لأنه تتخذ منه آلات الحرب، قال الزجاج: يمتنع به ويحارب، والمعنى أنه تتخذ منه آلة للدفع وآلة للضرب، قال مجاهد: فيه جنة وسلاح وقوة وشدة (ومنافع للناس) أي أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه، مثل السكين والفأس والإبرة وآلات الزراعة والتجارة والعمارة، قال البيضاوي: ما من صنعة إلا والحديد آلتها أي له دخل في آلتها، وهذا الحصر كلي كما هو مشاهد.
(وليعلم الله من ينصره ورسله) معطوف على قوله: ليقوم أي لقد أرسلنا رسلنا، وفعلنا كيت وكيت، ليقوم الناس، وليعلم الله علم مشاهدة