وقد ثبت في الصحيحين: " أن النبي ﷺ أصبح صائماً فلما رجع إلى البيت وجد حيساً، فقال لعائشة: قربيه فلقد أصبحت صائماً، فأكل " (١) وهذا معنى الحديث، وليس بلفظه، فليس في هذه الآية دليل كما ظنه الزمخشري على إحباط الطاعات بالكبائر على ما زعمت المعتزلة والخوارج، فجمهورهم على أن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات، حتى إن من عبد الله طول عمره، ثم شرب جرعة خمر فهو كمن لم يعبده قط، ثم بيّن سبحانه أنه لا يغفر للمصرين على الكفر والصد عن سبيل الله فقال:
_________
(١) صحيح البخاري.
(إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) فقيّد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر، لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حياً، وظاهر الآية العموم، وإن كان السبب خاصاً، نزلت في أصحاب القليب، قاله المحلي، لكن حكمها عام في كل كافر مات على كفره، ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال:
(فلا تهنوا) أي فلا تضعفوا عن القتال، والوهن الضعف، والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام لجميع المسلمين (وتدعوا إلى السلم) أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم، فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف. قال الزجاج: منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا، وقرىء تدعوا من ادعى القوم وتداعوا، والسلم بفتح السين وكسرها سبعيتان، قال قتادة: معنى الآية لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ فقيل: إنها محكمة، وأنها ناسخة لقوله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) وقيل:


الصفحة التالية
Icon