منسوخة بهذه الآية، ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعو إلى السلم ابتداء ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون، فالآيتان محكمتان، ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص، بل نزلتا في وقتين مختلفي الأحوال، وجملة (وأنتم الأعلون) حالية أو مستأنفة مقررة لما قبلها من النهي، أي وأنتم القاهرون الغالبون بالسيف والحجة، قال الكلبي: أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات.
(والله معكم) بالنصر والمعونة عليهم (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي لن ينقصكم شيئاًً من ثواب أعمالكم، يقال: وتره يتره وتراً إذا أنقصه حقه، وأصله من وترت الرجل إذا قتلت له قريباً أو نهبت له مالاً، ويقال: فلان مأتور إذا قتل له قتيل، ولم يؤخذ بدمه، قال الجوهري: أي لن ينقصكم في أعمالكم، كما تقول: دخلت البيت وأنت تريد في البيت، قال الفراء: هو مشتق من الموتر وهو الذحل وقيل: مشتق من الموتر وهو الفرد، فكأن المعنى ولن يفردكم بغير ثواب قال ابن عباس: يتركم يظلمكم.
(إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) أي باطل وغرور، لا أصل لشيء منها، ولا ثبات له، ولا اعتداد به، تنقطع في أسرع مدة فكيف تمنعكم عن طلب الآخرة؟ واللعب ما يشغل الإنسان، وليس فيه منفعة في الحال ولا في المآل ثم إذا استعمله الإنسان ولم يشغله عن غيره ولم ينسه أشغاله المهمة فهو اللعب، وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو (وإن تؤمنوا) بالله (وتتقوا) الكفر والمعاصي (يؤتكم أجوركم) أي جزاء ذلك في الآخرة والأجر الثواب على الطاعة.
(ولا يسألكم أموالكم) أي: لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة وسائر وجوه الطاعات، بل أمركم بإخراج القليل منها غيضاً من فيض، أي ربع العشر وهو الزكاة، وبه قال ابن عيينة وغيره، وقيل: المعنى ولا يسألكم


الصفحة التالية
Icon