وقال قتادة ما قدمت من معصية وأخرت من طاعة، وقيل ما قدم من فرض وأخر من فرض وقيل أول عمله وآخره.
وقيل أن النفس تعلم عند البعث بما قدمت وأخرت علماً إجمالياً لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة، وأما العلم التفصيلي فإنما يحصل عند نشر الصحف.
عن ابن مسعود قال ما قدمت من خير وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها بعده فإن له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاًً أو سنة سيئة يعمل بها بعده فإن عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيئاًً، وعن ابن عباس نحوه.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبي ﷺ من استن خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزاره من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم (١) وتلا حذيفة (علمت نفس ما قدمت وأخرت).
ولما أخبر سبحانه في الآية الأولى عن وقوع الحشر والنشر ذكر في هذه الآية ما يدل عقلاً على وقوعه فقال:
_________
(١) الحاكم ٢/ ٥١٦.
(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) هذا خطاب للكفار وقال بعضهم المراد بالإنسان ما يشمل الكافر والمؤمن العاصي، قال الشهاب وهذا أرجح كما في الكشف وغيره.
والمعنى ما الذي غرك وخدعك أو جعلك غاراً حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك وجعلك عاقلاً فاهماً ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها، قال قتادة غره شيطانه المسلط عليه، وقال الحسن غره شيطانه الخبيث وقيل غره حمقه وجهله.


الصفحة التالية
Icon