ثم وصف سبحانه بما يدل على العظم والفخامة فقال
(الذي له ملك السموات والأرض) ومن كان هذا شأنه فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحد (والله على كل شيء شهيد) من فعلهم بالمؤمنين لا تخفى عليه منه خافية، وفي هذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود، ووعد خير لمن عذبوه على دينه من أولئك المؤمنين.
ثم بين سبحانه ما أعد لأولئك الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا من التحريق فقال
(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) أي حرقوهم بالنار، والعرب تقول فتنت الشيء أي أحرقته وفتنت الدرهم والدينار إذا أدخلته النار لتنظر جودته، ويقال دينار مفتون ويسمى الصائغ الفتان، ومنه قوله (يوم هم على النار يفتنون) أي يحرقون وقيل معنى فتنوا المؤمنين محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه.
قال الرازي: ويحتمل أن يكون المراد كل من فعل ذلك، قال وهذا أولا، لأن اللفظ عام والحكم بالتخصيص ترك للظاهر من غير دليل (ثم لم يتوبوا) من قبح صنعهم ولم يرجعوا عن كفرهم وفتنتهم (فلهم) في الآخرة (عذاب جهنم) بسبب كفرهم (ولهم) عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم وهو (عذاب الحريق) الذي وقع منهم للمؤمنين. وقيل أن الحريق إسم من أسماء النار كالسعير وقيل أنهم يعذبون في جهنم بالزمهرير، ثم يعذبون بعذاب الحريق فالأول عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرها.
وقال الربيع بن أنس أن عذاب الحريق أصيبوا به في الدنيا، وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم، وبه قال الكلبي، ومفهوم الآية أنهم لو تابوا لخرجوا من هذا الوعيد، وإنما عبر سبحانه بأداة التراخي لأن التوبة مقبولة قبل الغرغرة ولو طال الزمان.
ثم لما ذكر سبحانه وعيد المجرمين أتبعه بذكر ما أعده للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وظاهر الآية العموم


الصفحة التالية
Icon