على وجهها إلا ابن آدم فإنه منتصب انتصاباً.
قال اليماني: لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف الخلق.
قال العلماء: أول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا قمط قماطاً وشدد عليه يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه وتحريك لسانه ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان ثم يكابد المعلم وصولته والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه والترويج ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجناد ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور ثم الكبر والهرم وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها من صداع الرأس ووجع الأضراس، ورمد العين وغم الدين ووجع السن، وألم الأذن ويكابد محناً من المال والنفس مثل الضرب والحبس ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة ويكابد مشقة ثم الموت بعد ذلك كله ثم سؤال الملك وضغطة القبر وظلمته ثم البعث والعرض على الله تعالى إلى أن يستقر به القرار إما في جنة وإما في نار.
فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد ودل على أن له خالقاً دبره وقضى عليه بهذه الأحوال فليمتثل أمره، ذكره القرطبي.
(أيحسب) الإنسان (أن لن يقدر عليه أحد) أي أيظن ابن آدم أن لن يقدر عليه ولا ينتقم منه أحد أو يظن أبو الأشدين أن لن يقدر عليه أحد، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر.
ثم أخبر سبحانه عن مقال هذا الإنسان فقال:
(يقول) مفتخراً (أهلكت مالاً لبداً) أي كثيراً مجتمعاً بعضه على بعض، قال الليث مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته، قال الكلبي ومقاتل: يقول أهلكت في عداوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم مالاً كثيراً، وفي أبي السعود يريد كثرة ما أنفقه فيما