لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملاً فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار، فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى. فخذ إليك هذه مع تلك وكن كما قال الشاعر:

على أنني راض بأن أحمل الهوى وأخرج منه لا علي ولا ليا
وقيل أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كما قال طرفة بن العبد:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي بواحد، ولا يخفاك أنه ينافي هذا وصف الأشقى بالتكذيب، فإن ذلك لا يكون إلا من الكافر فلا يتم ما أراده قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين.
عن عروة " أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله: بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عيسى وأمة بني المؤمل، وفيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إلى آخر السورة " أخرجه ابن أبي حاتم، وفي الباب روايات.
ثم ذكر سبحانه صفة الأتقى فقال
(الذي يؤتي ماله) أي يعطيه ويصرفه في وجوه الخير، وقوله (يتزكى) في محل يصب على الحال من فاعل يؤتي أي حال كونه يطلب أن يكون عند الله زكياً لا يطلب رياء ولا سمعة، ويجوز أن يكون بدلاً من يؤتي داخلاً معه في حكم الصلة، قرأ الجمهور يتزكى مضارع تزكى، قرأ علي بن الحسين رضي الله عنهما بإدغام التاء في الزاي.
(وما لأحد عنده من نعمة تجزى) قال أبو السعود أي من شأنها أن تجازى وتكافأ، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون التزكي على جهة الخلوص غير مشوب بشائبة تنافي الخلوص، أي ليس ممن يتصدق بماله ليجازي بصدقته نعمة لأحد من الناس عنده ويكافئه عليها، وإنما يبتغي بصدقته وجه الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon