والمعنى خلق جنس الإنسان من جنس العلق، وإذا كان المراد بقوله (الذي خلق) كل المخلوقات فيكون تخصيص الإنسان بالذكر تشريفاً له لما فيه من بديع الخلق وعجيب الصنع، وإذا كان المراد بالذي خلق، الذي خلق الإنسان فيكون الثاني تفسيراً للأول، والنكتة ما في الإبهام ثم التفسير من التفات الذهن وتطلعه إلى معرفة ما أبهم أولاً ثم فسر ثانياً، وقال من علق ولم يقل من نطفة مراعاة للفواصل.
ثم كرر الأمر بالقراءة للتأكيد والتقرير فقال
(اقرأ) أي افعل ما أمرت به من القراءة وجملة (وربك الأكرم) مستأنفة لإزاحة ما اعتذر به ﷺ من قوله " ما أنا بقارىء " يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ، وهو أمي فقيل له اقرأ وربك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم، قال الكلبي يعني الحليم عن جهل العباد فلم يعجل بعقوبتهم.
وقيل إنه أمره بالقراءة أولاً لنفسه ثم أمره بالقراءة ثانياً للتبليغ، فلا يكون من باب التأكيد والأول أولى، والأكرم صفة تدل على المبالغة في الكرم إذ كرمه يزيد على كل كرم، لأنه ينعم بالنعم التي لا تحصى.
قال في البحر: ومن غريب ما رأينا تسمية النصارى بهذه الصفة التي هي صفة الله تعالى يسمون الأكرم والرشيد وفخر السعداء وسعيد السعداء في ديار مصر ويدعوهم بها المسلون ويزيدون عليها على سبيل التعظيم: الشيخ الأكرم، والشيخ الأسعد والشيخ الرشيد، فيالها من خزي يوم عرض الأقوال والأفعال على الله تعالى.
(الذي علم بالقلم) أي علم الإنسان الخط بالقلم فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب، قال الزجاج علم الإنسان الكتابة بالقلم قال قتادة: بالقلم نعمة من الله عز وجل عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة


الصفحة التالية
Icon