التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين ولا أمور الدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا القلم والخط لكفى به، وسمي قلماً لأنه يقلم أي يقطع وأول من خط به إدريس، وقيل آدم وقد حققنا أحوال القلم وما يتعلق به في كتابنا الأكبر في أصول التفسير فإن شئت فارجع إليه.
وجملة
(علم الإنسان ما لم يعلم) بدل اشتمال من التي قبلها أي علمه بالقلم من الأمور الكلية والجزئية ما لم يعلم به منها قيل المراد بالإنسان هنا آدم كما في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها) وقيل الإنسان هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأولى حمل الإنسان على العموم، والمعنى أن من علمه الله سبحانه من هذا الجنس بواسطة القلم فقد علمه ما لم يعلم.
(كلا) ردع وزجر لمن كفر نعم الله عليه بسبب طغيانه وإن لم يتقدم له ذكر، وقيل معناه حقاً، وهو مذهب الكسائي ومن تبعه لأنه ليس قبله ولا بعده شيء يكون (كلا) رداً له كما قالوا في كلا والقمر، ومذهب أبي حيان أنها بمعنى ألا الاستفتاحية وصوبه ابن هشام لكسر همزة إن بعدها أي لكونه مظنة جملة كما بعد حرف التنبيه نحو (ألا إنهم هم المفسدون) ولو كانت بمعنى حقاً لما كسرت إن بعدها لكونها مظنة مفرد، وفي الكواشي يجوز في (كلا) أن تكون تنبيهاً فيقف على ما قبلها، وردعاً فيقف عليها.
ومعنى (إن الإنسان ليطغى) أنه يجاوز الحد ويستكبر على ربه، قيل المراد بالإنسان هنا أبو جهل وهو المراد بهذا وما بعده إلى آخر السورة، وأنه تأخر نزول هذا وما بعده عن الخمس الآيات المذكورة في أول هذه السورة.
وقوله
(أن رآه استغنى) علة ليطغى أي ليطغى أن رأى نفسه مستغنياً، والرؤية هنا بمعنى العلم ولو كانت بصرية لامتنع الجمع بين الضميرين في فعلها لشيء واحد، لأن ذلك من خواص باب علم ونحوه، قال الفراء: لم يقل رأى نفسه كما قيل قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي ترد


الصفحة التالية
Icon