إلى السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغير ذلك.
وقيل إنها سميت بذلك لعظم قدرها وشرفها، من قولهم لفلان قدر، أي شرف ومنزلة كذا قال الزهري: وقيل سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً وقال الخليل: سميت ليلة القدر لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة كقوله (ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق.
والأحاديث في فضل ليلة القدر كثيرة وكذا في تعيينها وليس هذا موضع بسطها وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولاً قد ذكرناها بأدلتها وبيّنا الراجح منها في شرحنا لبلوغ المرام المسمى بمسك الختام، وذكرها الشوكاني في شرحه لمنتقى الأخبار المسمى بنيل الأوطار.
(وما أدراك ما ليلة القدر) في هذا الاستفهام تفخيم لشأنها حتى كأنها خارجة عن دراية الخلق لا يدريها إلا الله سبحانه، والمعنى ما غاية فضلها ومنتهى علو قدرها. قال سفيان: كل ما في القرآن من قوله وما أدراك فقد أدراه، وكل ما فيه من قوله (وما يدريك) فلم يدره، وكذا قال الفراء.
والمعنى أي شيء يجعلك دارياً بها.
ثم بين فضلها من ثلاثة أوجه أولها قوله
(ليلة القدر خير من ألف شهر) وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، قال كثير من المفسرين: أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، واختار هذا الفراء والزجاج، وذلك أتى الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع، فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيراً من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة.
وقيل أراد بقوله ألف شهر جميع الدهر لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة، وقيل وجه ذكر ألف شهر أن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابداً حتى يعبد الله ألف شهر، فجعل الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، عبادة ليلة خيراً من عبادة ألف شهر كانوا يعبدونها.