قال القرطبي: قال شيخنا أحمد بن عمرو هو الصحيح فإن تسميتهم راسخين يقضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوى في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع، لكن المتشابه يتنوع فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بعلمه وهذا لا يتعاطى علمه أحد، فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم التشابه، فإنما أراد هذا النوع، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ويزال ما فيه من تأويل غير مستقيم انتهى.
وقال الرازي: لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله لما كان لتخصيصهم بالإيمان به وجه فإنهم لما عرفوه بالدلائل صار الإيمان به كالإيمان بالمحكم، فلا يكون في الإيمان به بخصوصه مزيد مدح.
وأقول هذا الاضطراب الواقع في مقالات أهل العلم أعظم أسبابه اختلاف أقوالهم في تحقيق معنى المحكم والمتشابه، وقد قدمنا ما هو الصواب في تحقيقهما ونزيدك ههنا إيضاحاً وبياناً فنقول:
إن من جملة ما يصدق عليه تفسير المتشابه الذي قدمناه فواتح السور فإنها، غير متضحة المعنى ولا ظاهرة الدلالة، لا بالنسبة إلى أنفسها لأنه لا يدري من يعلم بلغة العرب ويعرف عرف الشرع ما معنى (الم، المر، حم، طس طسم) ونحوها لأنه لا يجد بيانها في شيء من كلام العرب ولا من كلام الشرع فهي غير متضحة المعنى لا باعتبارها في نفسها ولا باعتبار أمر آخر يفسرها ويوضحها، ومثل ذلك الألفاظ المنقولة عن لغة العجم والألفاظ العربية التي لا يوجد في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يوضحها، وهكذا ما استأثر الله بعلمه كالروح وما في قوله (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) إلى آخر الآية ونحو ذلك.
وهكذا ما كانت دلالته غير ظاهرة لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره كورود