وقال ابن الأعرابي: يقال غوى الرجل يغوى غياً إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ومنه عمى آدم ربه فغوى أي فسد عيشه في الجنة، وغرض اللعين بهذا أخذ ثأره منهم لأنه لما طرد ومقت بسببهم على ما تقدم أحب أن ينتقم منهم أخذاً بالثأر.
(لأقعدن لهم) أي لأجهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي للسجود لأبيهم (صراطك المستقيم) هو الطريق الموصل إلى الجنة، وقال ابن عباس: طريق مكة يعني أمنعهم من الهجرة، وعن ابن مسعود مثله، وقيل هو طريق الإسلام، وقيل المراد الحج والأول أولى لأنه يعم الجميع والمعنى لأردن بني آدم عن عبادتك وطاعتك ولأغوينهم ولأضلنهم.
(ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ذكر الجهات الأربع لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوه ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت، وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن وإلى الآخريين بعن لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجهاً إلى ما يأتيه بكلية بدنه والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفاً فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء وفي الأخريين بحرف المجاوزة.
وهو تمثيل الوسوسة وتسويله بمن يأتي حقيقة، وفيه إشارة إلى نوع تباعد منه في هاتين الجهتين لقعود ملك اليمين وملك اليسار فيهما، وهو ينفر من الملائكة، وقيل المراد من بين أيديهم من دنياهم، ومن خلفهم من آخرتهم، وعن أيمانهم من جهة حسناتهم، وعن شمائلهم من جهة سيآتهم، استحسنه النحاس.
قال ابن عباس: أسن لهم المعاصي وأخفي عليهم للباطل، وعنه قال: من بين أيديهم من قبل الآخرة فأشككهم فيها، ومن خلفهم من قبل الدنيا فأرغبهم فيها وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي.


الصفحة التالية
Icon