الجمة هو سبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال.
(إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل وعدم الالتفات إليه بالكلية لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه كما يدل عليه قوله ما كان لنا أن نشرك بالله ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال (وهم بالآخرة هم كافرون) أي هم يختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله.
(واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) وسماهم آباء جميعاً لأن الأجداد آباء وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده ثم تلقاها عنه إسحاق ثم يعقوب وإنما قاله عليه السلام ترغيباً لصاحبيه في الإيمان وتنفيراً لهما عما كانا عليه من الشرك والضلال وقدم ذكر تركه لملتهم على ذكر اتباعه لملة آبائه لأن التخلية متقدمة على التحلية.
(ما كان) أي ما صح وما استقام فضلاً عن الوقوع (لنا) معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا ووفور علومنا (أن نشرك بالله من شيء) أي شيء كان من ملك أو جني أو إنسي فضلاً أن نشرك به صنماً لا يسمع ولا يبصر قال الواحدي: لفظة من زائدة مؤكدة كقولك ما جاءني من أحد.
(ذلك) أي الإيمان والتوحيد وعدم الإشراك والعلم الذي رزقنا (من فضل الله) أي ناشئ من تفضلاته (علينا) ولطفه بنا بما جعله لنا من النبوة المتضمنة للعصمة عن معاصيه (و) من فضل الله (على الناس) كافة ببعثه الأنبياء إليهم وهدايتهم إلى ربهم وتبين طرائق الحق لهم (ولكن أكثر الناس)