الأرزاق وقضاء الحوائج يكون بالنهار، ولم يذكر هنا السكون في الليل اكتفاء بما قاله في موضع آخر: (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً).
ثم ذكر مصلحة أخرى في ذلك الجعل فقال: (ولتعلموا عدد السنين والحساب) وهذا متعلق بالفعلين جميعاً، أعني محونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتعلموا الخ لا بأحدهما فقط كالأول، إذ لا يكون علم عدد السنين والحساب إلا باختلاف الجديدين ومعرفة الأيام والشهور والسنين، والفرق بين العدد والحساب أن العدد إحصاء ما له كمية بتكرير أمثاله من غير أن يتحصل منه شيء، والحساب إحصاء ما له كمية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها حد معين منه له اسم خاص.
فالسنة مثلاً إن وقع النظر إليها من حيث عدد أيامها فذلك هو العدد، وإن وقع النظر إليها من حيث تحققها وتحصلها من عدة أشهر قد تحصل كل شهر من عدة أيام قد تحصل كل يوم من عدة ساعات قد تحصلت كل ساعة من عدة دقائق فذلك هو الحساب. ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح حراص المكتسبين والتجار ولتعطلت الأمور ولم يدر الصائم متى يفطر ولم يعرف وقت الحج والصوم والصلاة ولا وقت الزراعة ولا وقت حلول الديون المؤجلة وقال الكرخي لا تكرار إذ العدد موضوع الحساب.
(وكل شيء فصلناه تفصيلاً) أي كل ما تفتقرون إليه في أمر دينكم ودنياكم بيناه تبييناً واضحاً لا يلتبس فهو كقوله (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) وإنما ذكر المصدر وهو قوله (تفصيلاً) لأجل تأكيد الكلام وتقريره فكأنه قال فصلناه حقاً على الوجه الذي لا مزيد عليه وعند ذلك تنزاح العلل وتزول الأعذار ليهلك من هلك عن بينة ولهذا قال: