يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاؤه إلا إذا أراد الله له ذلك، ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ولهذا قال (ثم جعلنا له جهنم) أي بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب جعلنا له عذاب جهنم على اختلاف أنواعه.
(يصلاها) أي يدخل جهنم (مذموماً) ملوماً من الخلق (مدحوراً) أي مطروداً من رحمة الله مبعداً عنها، وفي المختارة دحره يدحره من باب خضع طرده، فهذه عقوبته في الآخرة أنه لا ينال من الدنيا إلا ما قدره الله سبحانه فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن النقي، فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه وهو الجنة ولهذا قال.
(ومن أراد) بأعماله الدار (الآخرة وسعى لها) أي من أجلها، وفائدة اللام اعتبار النية والإخلاص لأنها للاختصاص (سعيها) أي السعي الحقيقي بها اللائق بطالبها، وهو الإتيان بما أمر به وترك ما نهى عنه خالصاً لله غير مشوب وكان الإتيان به على القانون الشرعي من دون ابتداع ولا هوى لا التقرب بما يخترعون بآرائهم.
(وهو مؤمن) بالله إيماناً صحيحاً، لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه إلا إذا كان من المؤمنين (إنما يتقبل الله من المتقين) والواو للحال (فأولئك) أي المريدون للآخرة الساعون لها سعيها؛ وفيه مراعاة معنى من بعد مراعاة لفظها وهو مبتدأ وخبره (كان سعيهم مشكوراً) عند الله أي مقبولاً غير مردود؛ وقيل مضاعفاً إلى أضعاف كثيرة.
فقد اعتبر سبحانه في كون السعي مشكوراً أموراً ثلاثة:
الأول: إرادة الآخرة.