تكون منهم الكبيرة لأنهم معصومون (يوم الدين) أي يوم الجزاء للعباد بأعمالهم، ولا يخفى أن تفسير الخطايا بما ذكره مجاهد ومن معه ضعيف، فإن تلك معاريض، وهي أيضاً إنما صدرت عنه بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه.
وعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المساكين أكان ذلك نافعاً له؟ قال لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قوله إنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال ثم لما فرغ الخليل من الثناء على ربه، والاعتراف بنعمه، وفنون ألطافه، الفائضة عليه من حضرة الحق، من مبدأ خلقه إلى يوم بعثه، حمله ذلك على مناجاته تعالى؛ فعقبه بالدعاء ليقتدي به غيره في ذلك فقال:
(رب هب لي حكماً) المراد بالحكم الكمال في العلم والفهم والعمل يستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق. وقيل النبوة والرسالة. وقيل المعرفة بحدود الله وأحكامه.
(وألحقني بالصالحين) يعني بالنبيين قبلي في العمل الصالح. وقيل بأهل الجنة، أي في درجاتهم. قاله ابن عباس: والأول أولى. ولقد أجابه تعالى حيث قال: وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
(واجعل لي لسان صدق في الآخرين) أي اجعل لي ثناء حسناً وذكراً جميلاً وجاهاً وصيتاً وقبولاً عاماً في الأمم الآخرين، الذين يأتون بعدي في الدنيا يبقى أثره إلى يوم القيامة. قال القتيبي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة، لأن القول يكون بها، وقد تكنى العرب بها عن الكلمة، وقد أعطى الله سبحانه إبراهيم ذلك بقوله: وتركنا عليه في الآخرين، وأجاب دعاءه، فإن كل أمة تتمسك به وتعظمه.
وكل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه، خصوصاً هذه الأمة وخصوصاً


الصفحة التالية
Icon