قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الوليد يقول: أنا الوحيد بن الوحيد ليس لى فى العرب نظير ولا لأبى المغيرة نظير وكان يسمى بالوحيد فقال الله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) أى وحيدا بزعمه لا أن الله تعالى صدقه بأنه وحيد، وذرنى ومن خلقت وحيدا تهديد ووعيد لهذا المتكبر الذى حمله كبره على الكفر بالنعم والإيذاء لك وللمؤمنين، ويرى مجاهد أن هذه الصفة تعنى كيف خلق وحيدا فى بطن أمه لا مال له ولا ولد، فأنعم الله عليه فكفر، وقيل: الوحيد الذى لا يعرف أبوه، وكان الوليد معروفا بأنه دعى كما جاء فى تفسير قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) [القلم] فهو فى صفة الوليد أيضا «١».
فالإنذار باليوم الآخر والإنذار بتقديم النماذج البشرية الفاسدة وما توعد الله به هذه النماذج من أساليب التربية المبكرة مع نزول السور الأولى من سور التنزيل الكريم.
لقد أشرنا إلى تقديم سورة المدثر لوجهين من وجوه الإنذار التى ينبغى أن يعرفها الناس، الأول: التذكير باليوم العسير على الكافرين، الثانى: تقديم نموذج للبشر يظهر ما منح من نعم كانت تقتضى التعرف على المنعم وتقديم الشكر له والاستجابة لأمره ونهيه، ولكن حدث غير هذا ففصلت الآيات الكريمة مظاهر هذه النعم، ومظاهر عناده ورتبت العقوبات الرادعة، فيكون الإنذار بالخبر، ويكون كذلك بمعاينة النماذج التى عاصرت نزول الوحى، ويشاهدها الناس ويعرفونها معرفة يقينية فيقول الله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) فهو الوحيد- كما زعم- بمعنى، خلقه الله وحيدا فى بطن أمه لا مال له ولا ولد فأنعم الله عليه، فكفر «١».
ومظاهر النعم التى يعرف بها، المال والبنون، فالمال جعله الله له ممدودا أى خوله وأعطاه مالا ممدودا يتمثل فيما كان له بين مكة والطائف من الإبل والخيل والنعم والجنان وتشير كلمة «ممدود» إلى ما لا ينقطع رزقه، بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة. وأما البنون فجعل الله له البنين شهودا أى حضورا لا يغيبون عنه فى تصرف. وفضلا عن ذلك بسط له فى العيش بسطا حتى أقام ببلدته مترفا يرجع إلى رأيه.
وهذا النموذج من البشر لا تجد لأطماعه حد فيطمع دائما فى الزيادة على الرغم من موقفه المعاند للدعوة، وكفره، بل يذكر بعض المفسرين أن الطمع قد زاد إلى حد