أنه يطمع أن يدخله الله الجنة استمرارا لنعمة المال والبنين، وما لذ وطاب من النعيم فينسب إلى الوليد قوله: إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لى. وقطع الله رجاءه
فى الجانبين كَلَّا أى لن أزيده، فلم يزل يرى النقصان فى ماله وولده حتى هلك، كما توعده سبحانه بقوله سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) قال ابن عباس: المعنى:
سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه، وقيل: إنه تصاعد نفسه للنزع، وإن لم يعقبه موت ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه «١».
وأما وعيد الله سبحانه له فى الآخرة فيقول الله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) أى سأدخله سقر لكى يصلى حرها. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) أى وما أعلمك أى شىء هى؟ وهذه كلمة تعظيم ومبالغة فى وصفها، ثم فسر حالها لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لا تذر لهم عظاما ولا لحما ولا دما إلا أحرقته ثم يعادون خلقا جديدا، فلا تزد أن تعاود إحراقهم هكذا أبدا لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) أى مغيرة فتلفح وجوههم لفحة تدعها أشد سوادا من الليل عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وهذا الوعيد بتلك الحالة ينبه أصحاب الأموال الممدودة والبنين الشهود أن العواقب خطيرة، لا تبقى ولا تذر فى الدنيا ولا فى الآخرة، فالذى أعطى هو الذى يمنع فى الدنيا، والكفر والعناد من سبل الحرمان والنقم، ومن سبل الوصول إلى سقر التى لا تبقى ولا تذر.
وتفصل الآيات بعد مظاهر النعم ومن خلالها مظاهر العناد من هذا البشر العجيب الذى يمنح الرزق فيكفر بالرازق ويعاند. فمن هذه المظاهر: كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) أى معاندا للنبى صلّى الله عليه وسلم وما جاء به من آيات ربه، كما يعنى العناد مخالفة الحق ورده مع معرفته بأنه حق، وقيل: يعنى المجاهر بعداوته، وعن مجاهد قال:
مجانبا للحق معاندا له معرضا عنه.
والمعانى كما نرى متقاربة فى بيان هذا النموذج من الناس الذين لم يكتفوا بالإعراض بل عاندوا وجاهروا بالعدوان والصد عن دين الله، واستمروا على ذلك بتدبر خبيث وإصرار واستمرار لهذه العداوة، ومن مظاهر ذلك ما ذكر فى حق الوليد هذا من قوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)