بدأت بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) ما يتعلق «بسقر» والتى ذكرنا شيئا عنها، ونذكر بقية ذلك الآن، قال تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١).
فعلى سقر تسعة عشر من الملائكة هم خزنتها ويلقون فيها أهلها، ويذكر القرطبى فى تفسير هذه الآية الكريمة قوله: «والصحيح- إن شاء الله- أن هؤلاء التسعة عشر هم الرؤساء والنقباء، وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها كما قال الله تعالى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وقد ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»
. وقد وصف أصحاب النار من الملائكة بأنهم غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) [التحريم] وذلك ليقوموا بما أمروا به من جزاء عادل وليحذر الكافرون من ذلك فيجتنبوا سبل سقر، ولا يكون الحال كما كان من أبى جهل- لعنه الله- ومن معه من المشركين، قال ابن عباس وقتادة والضحاك: لما نزل عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبى كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدّهم- أى العدد- والشجعان، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، قال السدى: فقال أبو الأسود بن كلدة الجمحى: لا يهولنكم التسعة عشر، أنا أدفع بمنكبى الأيمن عشرة من الملائكة، وبمنكبى الأيسر التسعة، ثم تمرون إلى الجنة، يقولها مستهزئا.
وقيل: إن أبا جهل قال: أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، ثم تخرجون من النار؟ فنزل قول الله تعالى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أى لم يجعلهم رجالا فتتصورون فعاليتهم، وقيل كذلك: جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة ولا يستريحون إليهم؛ ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم، ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا «١».
وإذا كان من وجوه الإنذار التى جاءت فى هذه السورة الكريمة ما يتعلق بالغيب

(١) القرطبى ١٩/ ٨١.


الصفحة التالية
Icon