كالإنذار بسقر وما فيها، والإنذار بأصحابها فإن الله تعالى جعل فى هذا الإنذار آية اختبار فيما يتعلق بعدة أصحاب النار من الملائكة، فإن المنتسبين إلى التوراة والإنجيل سيجدون أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم، ويكون ذلك مدخلا لليقين إن كانوا أهلا لتقبل الحق والتسليم له، وأما المؤمنون المصدقون فيزدادون بهذا إيمانا، لأنهم يؤمنون بالغيب، وكل اخبار جديد فى آية منزلة تزيدهم إيمانا وتزيدهم معرفة يقينية بعالم الغيب، وأما الذين فى قلوبهم مرض من شك وارتياب، وهذا كان الحال فى الفترة المكية وفى بدايات التنزيل وذلك ما جعل الحسن بن الفضل يقول: السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق، فالمرض فى هذه الآية الخلاف «١»، ولكن أكثر المفسرين يذهبون إلى القول: بأن الذين في قلوبهم مرض هم الذين فى صدورهم شك ونفاق من منافقى أهل المدينة الذين ينجمون فى مستقبل الزمان بعد الهجرة- سيقول هذا الفريق المريض: ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أى ماذا أراد بهذا العدد الذى ذكر عن خزنة جهنم، وهذا موقف المرضى أمام التنزيل، فهم لا يريدون العمل به فيكثرون من التساؤلات والتشكيك ويضيعون الوقت فى ذلك بدلا من التلبية والإذعان والعمل، ولقد جمع الله- سبحانه وتعالى- بين الذين فى قلوبهم مرض، وطائفة الكافرين فى هذا التساؤل لا تحادهم فى الهدف واتحادهم من حيث نفوسهم مع خطورة إخفاء المنافقين لحالهم وإظهارهم الإسلام.
وعلى ذلك تكون هذه السورة الكريمة قد نبهت إلى طوائف التحدى لهذا الدين من وقت مبكر ليكون الرسول الكريم والذين معه على بينة من أمرهم فيتعرفون على أساليب الطوائف التى ظهرت، والطوائف التى ستظهر بعد ذلك. ولا يعلمها إلا الله:
كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) وبهذا يعطى القرآن الكريم عظته مع بيان حال الناس منها وقت التنزيل، وتبقى الآيات وما ذكر منها من المعانى ذكرى للبشر، ليحسنوا التعامل معها إيمانا وتصديقا وامتثالا وعملا بمقتضى هذه العظة، ولا يكونوا كالذين حرموا من الانتفاع بهذه الآيات. فالقرآن الكريم للأجيال كلها إلى يوم القيامة، وما يذكره من وجوه الإنذار يخاطب به الناس إلى يوم القيامة. فبعد هذا الذكر لهذا الإخبار عن أمر غيب، تأتى الآيات الكريمة لتؤكد الإنذار بما شاهده الناس من آيات كونية يقسم الله بها إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) أى أن هذه النار لإحدى الكبر الدواهى وتكذيبهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحى لكبيرة من الكبائر الخطيرة التى تهلك الإنسان فى حياته الدنيا والآخرة.

(١) حكى هذا القرطبى ١٩/ ٨٠.


الصفحة التالية
Icon