وهذه النار التى وضعت فى هذه السورة نذيرا للبشر. حتى قال الحسن: والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها.
ومن وجوه الإنذار التى أمر النبى صلّى الله عليه وسلم بتوجيهها إلى الناس، الإنذار بوعيد الله بنماذج من البشر كفرت بأنعم الله، وأنذر بسقر وما يتعلق بها من أخبار غيبية: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) وأكد هذا الإنذار بآيات كونية يلفت القرآن الكريم النظر إليها:
كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧). فالقسم بآيات كونية هنا ينبه إلى أمور يحتاجها الإنسان فى إنذاره وبنائه على العقيدة الصحيحة التى بعث بها النبى صلّى الله عليه وسلم، منها: التأمل والنظر فى مظاهر قدرة الله سبحانه فى آياته الكونية فالقمر الذى جعله نورا، والليل الذى ولى بظلامه، والصبح الذى أضاء، آيات كونية تنبه الإنسان إلى عظيم خلق الله وقدرته، وتنبهه إلى منة الله عليه ونعمته، وكيف سخر له هذه الآيات لينتفع بها، وإذا كانت هذه الآيات الكونية المذكورة تنكشف بها الأشياء انكشافا لا خفاء فيه فالقمر بنوره الهادئ والصبح كذلك، وذهاب ظلمات الليل تجعل الإنسان يبصر الأشياء ويدرك وجودها فالذى جلى الأشياء للإنسان بهذه الآيات الكونية وكشفها هو الذى يخبر عن سقر ويقسم: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧).
ومن هنا ندرك من بدايات التنزيل كيف يوجه القرآن الكريم الإنسان إلى النظر والتفكير فى آيات الله المبثوثة فى هذا الكون، وفى النفس الإنسانية نظرة تأمل
واعتبار، ونظرة إدراك تسخير الله سبحانه لهذه الآيات الكونية لانتفاع الإنسان بها، ونظرة التوافق التى تجعل الإنسان لا يشعر برهبة أمام هذه الآيات الكونية، لأنها مخلوقة ومسخرة، ولا حول لها ولا قوة إلا بخالقها ومسيرها سبحانه وتعالى.
ومع وجوه الإنذار فى هذه السورة الكريمة يأتى تقرير المسئولية الفردية والتى تقوم على ما منح الله الإنسان من القدرة على الفعل والترك والتقدم والتأخر والاختيار لما يعمل من خير أو شر، فالنذارة كذلك لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة، أو يتأخر إلى الشر والمعصية نظيره: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ [الحجر: ٢٤]، أى فى الخير وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) [الحجر] أى عنه. ويذكر الحسن أن قوله تعالى:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر كقوله


الصفحة التالية
Icon