قواعد الفساد فى علاقة الإنسان بربه سبحانه، وفى علاقته بصفات قومه، وفى مساندته ووقوفه مع أهل الباطل، وفى فساد معرفته وتصوراته، وفى استمرار هذا الفساد طيلة حياتهم الدنيا... قال تعالى: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨).
إن أساس الإجرام والفساد عدم الإيمان الذى يجعل المجرم يقطع صلته بربه بترك الصلاة، ويتبع هذا الفساد قسوة القلب على الضعفاء فلا يطعمون المسكين ولا يتصدقون، ويغذى هذا الفساد مخالطة أهل الباطل فى باطلهم، والخوض فى أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مثل قولهم- لعنهم الله: «كاهن أو مجنون»، أو «شاعر أو ساحر»، ومما يزيد من حجم هذا الإجرام التكذيب بيوم الجزاء والحكم. ومما يدل على تعمق الإجرام وتحكمه فى هؤلاء الاستمرار على هذا الحال إلى الموت. فهؤلاء بهذا الإجرام محرومون من الشفاعة التى جعلها الله للمذنبين من أهل التوحيد الذين يعذبون بذنوبهم ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة فأخرجوا من النار وليس للكفار شفيع يشفع فيهم «١».
ونتابع القول فى وجوه الإنذار التى جاءت فى سورة المدثر، والتى فصلت فيها من بدايتها إلى آخر السورة الكريمة حيث يقول الله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦).
فالإنذار- هنا- له وجهان عظيمان، الوجه الأول: التذكرة بالقرآن الكريم، والوجه الثانى: الإنذار بالآخرة والتخويف بما يكون فيها.
فأما الوجه الأول: فيكون فى هذا التساؤل عن إعراض أهل مكة، وتوليهم عما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو إعراض عجيب بنى على تصور فاسد، إنه إعراض عن التذكرة بالقرآن الكريم يتمثل فى الجحود والإنكار، ويتمثل تبعا لذلك فى ترك العمل بما