وصدقنى- يعنى ورقة» قال البيهقى رحمه الله: هذا منقطع يعنى: هذا الحديث، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ويا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «١». ولا يفهم من قول الإمام البيهقى رحمه الله أنها السورة الثالثة، ولكن يعنى أن بداية التنزيل كان فى الآيات الأولى من سورة اقرأ باسم ربك، وأن سورة الفاتحة لم تكن الأولى فى ترتيب النزول، وإنما كانت بعد يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وهذا هو الترتيب الراجح وإلا فقد حكى الخلاف فى تحديد زمن نزولها على ما يلى:
الجمهور على أنها نزلت بمكة لقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) [الحجر]، والحجر مكية بإجماع، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه كان فى الإسلام صلاة بغير الفاتحة.
وذكر هذا الرأى ابن عباس وقتادة وأبو العالية الرياض- واسمه رفيع- وغيرهم.
وأما أبو هريرة رضي الله عنه ومجاهد وعطاء بن يسار والزهرى وغيرهم فيرون أنها مدنية.
وجمع بعض العلماء بين القولين بأنها تكرر نزولها فنزلت بمكة ونزلت بالمدينة حين حولت القبلة وحكى أبو الليث السمرقندى أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة، ويعلق ابن كثير على هذا بقوله: وهو غير مجاهد نقله القرطبى عنه، وعلى ذلك نصل إلى تقرير أن سورة الفاتحة فى ترتيب نزولها بعد سورة المدثر، وأنها نزلت كاملة غير منجمة، وأن المسلمين قرءوا بها فى الصلاة عند فرضها، وأنها فاتحة الكتاب المنزل المتضمنة لمقاصد الكتاب العزيز إجمالا، فالقرآن الكريم فيه البيان لحقوق الخالق على خلقه، وحاجة الخلق إلى خالقهم، وتنظيم الصلة بين الخالق والمخلوق، فهذا من جملة المقاصد التى جاء بها القرآن الكريم، وقد أشارت إليها الفاتحة- على ما سنفصل إن شاء الله تعالى- فآياتها الأولى بيان لحقوق الله على خلقه، وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) مع طلب الهداية منه تعالى إلى الصراط المستقيم بيان لحاجة الخلق إلى خالقهم، والصراط المستقيم هو نظام هذه الصلة بين المخلوق والخالق سبحانه، كما تضمنت الفاتحة كذلك الإشارة إلى الرد على كل طوائف المبطلين الخارجين عن الصراط المستقيم، وبيان أسباب هذا الخروج، وهى لا تتعدى الغضب عليهم أو الضلال منهم، وبهذا استحقت الفاتحة أن يطلق عليها أم القرآن «٢».
(٢) محاسن التأويل ١/ ٣، ٤، وروح المعانى ١/ ٣١، ٣٢، والدر المنثور فى التفسير بالمأثور ١/ ٢، وابن كثير ١/ ١٨، ١٩، رسالتان فى التفسير: حسن البنا ص ٤٥، والتحرير والتنوير ١/ ١٣٤.