ونتابع الحديث فى سورة الفاتحة، وقد تناولنا فى الجزء السابق تسمية الفاتحة بأم القرآن وخاتمة الكتاب، وسميت السورة الكريمة بالسبع المثانى، ففي صحيح البخارى عن أبى سعيد بن المعلى رضي الله عنه، قال: كنت أصلى فدعا فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم أجبه، حتى صليت، قال فأتيته. فقال: «ما منعك أن تأتينى؟»، قال: قلت: يا رسول الله إنى كنت أصلى قال: «ألم يقل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» [الأنفال: ٢٤] ثم قال: «لأعلمنك أعظم سورة فى
القرآن قبل أن تخرج من المسجد»، قال: فأخذ بيدى، فلما أراد أن يخرج من المسجد، قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن، قال: «نعم «الحمد لله رب العالمين»، هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أتيته» «١»، ووجه تسميتها بالسبع المثانى أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين، ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصرى فقال: هى ثمان آيات، وإلا الحسن الجعفى فقال: هى ست آيات، ولا يعنى هذا أنهم يزيدون أو ينقصون شيئا من الفاتحة وإنما يرجع ذلك إلى عد البسملة من الفاتحة، أو يرجع إلى إدماج آيتين فى آية واحدة أو الفصل. فعلى السبع وهو ما عليه الاتفاق تجد حديث الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«قال الله عز وجل: قسمت الصلاة نصفين بينى وبين عبدى فنصفها إلىّ، ونصفها لعبدى، ولعبدى ما سأل، يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)، فأقول:
حمدنى عبدى... وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)، قال الله: هذا بينى وبين عبدى، وإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)، قال الله: هؤلاء لعبدى ولعبدى ما سأل».
فهنّ ثلاث ثم واحدة ثم ثلاث، فعند أهل المدينة لا تعد البسملة آية وتعد أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية، وعند أهل مكة وأهل الكوفة تعد البسملة آية، وتعد أنعمت عليهم جزء آية، والحسن البصرى عد البسملة آية، وعد أنعمت عليهم آية «٢».
وأما وصفها بالمثانى فلأنها تثنى فى الصلاة أى تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير، وهذا ما عرف من الأسلوب العربى من استعمال المثنى فى مطلق المكرر نحو ثُمَّ ارْجِعِ
(٢) التحرير والتنوير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ١/ ١٣٦.