بما أوتى من بنين وذرية، ومنهم من فتن بشهواته المتعددة، وكانت عاقبتهم هلاكا وخسرانا.
والأمة الخاتمة تقرأ كل هذا فى صفحة السابقين فيما أوحى به إلى النبى الخاتم صلّى الله عليه وسلم:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) [آل عمران].
ولكن كيف كلم الله هؤلاء وهم صفوة البشر؟.
لقد ذكر القرآن الكريم لنا ثلاثا من الصور التى يكلم الله بها من شاء من البشر فقال تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) [الشورى].
فالصورة الأولى: من تكليم الله لمن شاء من البشر تكون بإلقاء المعنى الذى يريده الله فى نفس من شاء، وهذا معنى الإلهام، أو الإلقاء فى الرّوع، أو النفث فى الرّوع.
الصورة الثانية: أن يكلم الله نبيا من أنبيائه من وراء حجاب، كما كلم الله موسى عليه السلام وناداه، وسمع موسى نداءه دون أن يراه؛ لأن الرؤية لا يطيقها البشر، ومن حكمة الله ولطفه بخلقه أنهم لا يرونه فى هذه الدنيا، وإلا لأمسكهم الخوف فلا يتحركون لعمل أو أكل أو غير ذلك من مقتضيات البشرية، ويكفى أن يرى الخلق مظاهر القدرة وآيات الإبداع والنظام فى مخلوقاته، فله فى كل شىء آية تدل على أنه القادر، وفى أنفسنا وما بث فى أرضنا من دابة، وما خلق فى السموات آيات تنطق بالحق: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) [آل عمران].
على أن المؤمنين سيمتعون إن شاء الله برؤية ربهم فى الآخرة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) [القيامة].
ولذلك لما طلب موسى عليه السّلام فى تكليم الله له أن يرى ربه وقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣]. وأراه آية العجز البشرى فى هذا الجانب وأنه لا يقوى على ذلك، فقال جل شأنه لموسى عليه السلام: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الأعراف: ١٤٣].
فالجبل لم يقو على تجلى الله سبحانه له وجعله دكا، ورؤية موسى عليه السّلام لتجلى


الصفحة التالية
Icon