الله للجبل جعلته يخر صعقا، فكيف لو كان التجلى مباشرا؟
وأما الصورة الثالثة: فى تكليم الله لمن شاء من خلقه فتكون فى إرسال ملك الوحى إلى نبى من أنبياء الله، ليلقى إليه ما كلف بتبليغه، وهذا الملك هو الناموس أى صاحب السر، والذى وصف بالقوة والأمانة، وهما صفتان ضروريتان للاطمئنان على مسيرة الوحى إلى أنبياء الله ورسله، فقد وصف جبريل عليه السّلام بقول الله سبحانه فيه:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) [النجم]، ووصفه بقوله الكريم: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) [التكوير]، كما وصف بقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) [الشعراء]. وملك الوحى قد يراه النبى فى صورته التى خلق عليها، وقد يأتيه فى صورة رجل يكلمه، وفى هذه الحالة يراه الحاضرون ويسمعون قوله، وقد ينزل خفية فلا يراه الحاضرون، ولكن يشاهدون آثار الوحى على النبى صلّى الله عليه وسلم وقت نزوله.
هذه صور الوحى الثلاث التى ذكرت فى قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) [الشورى] فماذا تحقق لرسول الله صلّى الله عليه وسلم منها؟ وما مراتب الوحى معه؟