أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدّر بينهما ولد فى ذلك لم يضره شيطان أبدا». وقال- عليه الصلاة والسلام- لعمر بن أبى سلمة: «يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك» وقال صلّى الله عليه وسلم: «إن الشيطان لا يستحل الطعام الذى يذكر اسم الله عليه». وقال: «من لم يتربح فليتربح باسم الله»، وشكا إليه عثمان بن أبى العاص وجعا يجده فى جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ضع يدك على الذى تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»، فهذه التوجيهات كلها ثابتة فى الصحيح كما روى ابن ماجة والترمذى عن النبى صلّى الله عليه وسلم: «ستر ما بين الجن وعورات بنى آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله»، وروى الدارقطنى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ثم يفرغ الماء على يديه.
فهذا ما وجه الشرع الحنيف إليه نحو البسملة وذكرها في بداية الأقوال والأفعال وما جعل الله فى ذكر هامش الخير والبركة، وأما اعتبارها من آيات سورة الفاتحة وغيرها فإن للعلماء أقوالا فى ذلك منها:
أولا: إنها آية من القرآن الكريم فى سورة النمل باتفاق الجميع وهى قوله تعالى:
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) [النمل].
ثانيا: إنها آية من كل سورة، وهو قول عبد الله بن المبارك.
ثالثا: إنها آية فى الفاتحة، قال بذلك الشافعى، أما فى سائر السور فتردد قوله، فمرة قال: هى آية من كل سورة، ومرة قال: ليست آية إلا فى الفاتحة وحدها.
رابعا: إنها ليست آية من الفاتحة ولا غيرها، وهو قول مالك وقدم أصحاب هذه الأقوال حججهم فى ذلك، فأما حجة ابن المبارك وكذلك الحجة لأحد قولى الشافعى ما رواه مسلم عن أنس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟
قال: «نزلت على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)» [الكوثر]، ومعنى ذلك أن البسملة ذكرت فيما أنزل من السور الأخرى كسورة الكوثر «١».

(١) القرطبى ٢٠/ ٢١٦.


الصفحة التالية
Icon