وأما حجة الشافعى فى أنها آية من سورة الفاتحة ففيما رواه الدارقطنى من حديث أبى بكر الحنفى عن عبد الحميد بن صفر عن نوح بن أبى بلال عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين» فاقرءوا:
«بسم الله الرحمن الرحيم» إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثانى وبسم الله الرحمن الرحيم أحد آياتها».
رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر، وعبد الحميد هذا وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وأبو حاتم يقول فيه: محله الصدق، وكان سفيان الثورى مضيفه ويحمل عليه ونوح بن أبى بلال ثقة مشهور.
لقد ذكرنا فى الجزء السابق بعضا من أقوال العلماء فى اعتبار البسملة من آيات سورة الفاتحة، ونكمل القول فى ذلك مع ذكر الأدلة. فأما قول مالك: بأنها ليست من الفاتحة
ولا غيرها، فإن القرطبى يصحح هذا القول، ويذكر أن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعى الذى لا يختلف فيه.
والأخبار الصحاح التى لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا فى النمل وحدها، ويعنى بذلك قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) [النمل] ويورد القرطبى على ذلك الأدلة الآتية:
ما رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)، قال الله تعالى: حمدنى عبدي، وإذا قال العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) قال الله تعالى أثنى علىّ عبدى، وإذا قال العبد:
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) قال: مجدنى عبدى- وقال مرة: فوض إلىّ عبدى- فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) قال: هذا لعبدى ولعبدى ما سأل»
. فقوله سبحانه: «قسمت الصلاة» يريد الفاتحة، وسماها الصلاة لأن الصلاة؛ لا تصح إلا بها، فجعل الثلاث الآيات الأولى لنفسه، واختص بها تبارك اسمه، ولم يختلف المسلمون فيها.
ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده؛ لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة


الصفحة التالية
Icon