ثم انصرفت، وقال أبو بكر يا رسول الله: أما تراها رأتك؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «ما رأتنى لقد أخذ الله بصرها عنى».
وتشم فى كلام امرأة أبى لهب رائحة الاستعلاء القائم على الحسد فعند ما تطرح الشوك على الطريق أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلم- حسدا وحقدا- فهذا عمل عادى، لا تلام عليه، بل لا تريد أن تسمى به أى أحزنها أن تسمى «حمالة الحطب» وناقضت شهادة أهل مكة جميعا فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ما هجت وقالت: «مذمما» وهو محمد صاحب الخلق العظيم عند من آمن به، وعند من لم يؤمن به، ولكنه رفض وكره ما جاء به دون تفكير. قاتل الله الحسد فكم أعمى قلوب البشر فحرمهم مما فيه خيرهم.
لقد تناولنا فى الجزء السابق ذكر سورة المسد ونتابع القول فيها وفيما ذكر من أسباب نزولها، ونبدأ بذكر ما ورد فى سبب نزولها مما يتعلق بآية كريمة من سورة الشعراء وهى قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) [الشعراء] وسورة الشعراء مكية فى قول الجمهور، وقال مقاتل: منها مدنى، الآية التى يذكر فيها الشعراء وقوله: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧)، وقال ابن عباس وقتادة: مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) إلى آخرها «١».
والذى يرجح نزول الآية الكريمة: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) قبل سورة المسد مجموعة من الروايات الصحيحة منها:
الحديث الأول: قال الإمام أحمد رضي الله عنه: حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) أتى النبى صلّى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى «يا صباحاه» فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«يا بني عبد المطلب، يا بنى فهر، يا بنى لؤى، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتمونى؟» قالوا: نعم. قال: «فإنى نذير لكم بين يدى
عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، ورواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى من طرق عن الأعمش به.
الحديث الثانى: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بنى عبد المطلب لا أملك لكم من