فنيت ومحيت، وكل ذلك جاء فى معنى كُوِّرَتْ وتؤدى إلى معنى ذهاب هذه النعمة والوقوع فى الظلمة وعدم الانتفاع بتسخير الله للشمس وقت النهار. وإظلامها دليل قدرة ودليل ذهاب نعمة نهارية.
وإذا النجوم التى يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر تناثرت وتهافتت، وتناثرها دليل قدرة وكذلك ذهاب نعمة ليلية.
وإذا الجبال الرواسى الشامخة سيرت عن وجه الأرض فاستوت مع الأرض، وهذا دليل قدرة وقوة، وذهاب نعمة ثبات الأرض التى أرسيت بالجبال، وإذا النواق الحوامل الْعِشارُ والتى يتعلق الناس بها للخير الذى أودعه الله فيها فهى أنفس مال العرب عندهم، لم تجد اهتمام الناس بها فسيبت وأهملت لاشتغال الناس بأهوال القيامة.
وإذا الوحوش ماتت- على قول ابن عباس- أو جمعت إلى القيامة للقصاص فهى مع توحشها لا تفلت، وإذا البحار سُجِّرَتْ فاشتعلت نارا، أو يبست أو ملئت بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها. وإذا النفوس قرنت بأشكالها الصالح مع الصالح والفاجر مع الفاجر، أو ردت الأرواح إلى الأحياء فزوجت بها، أو زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين. وإذا البنت التى دفنت وهى حية وكان هذا من فعلهم فى الجاهلية، وفى سؤالها تبكيت لقاتليها فى القيامة، لأن جوابها قتلت بغير ذنب وهذا دليل قسوة قلبية أن تقوم الأم وهى أحن الناس على ولدها بهذا الصنيع، فيقول ابن عباس رضي الله عنهما: كانت المرأة فى الجاهلية إذا حملت، فكان أوان ولادها حفرت حفرة فمخضت على رأس الحفيرة، فإن ولدت جارية رمت بها فى الحفيرة، وإن ولدت غلاما حبسته «١».
وإذا الصحف نشرت أى صحائف أعمال بنى آدم تنشر للحساب، وإذا السماء نزعت فطويت أو قلعت كما يقلع السقف، وإذا الجحيم أو قدت مرة، بعد مرة وإذا الجنة قربت من المتقين، وإذا حدثت هذه الأشياء التى تتعلق بآيات كونية تتبدل إلى ما يهول ويعظم، وتتعلق بنعم لا غنى للإنسان عنها حوله وفى بيته وفى مطعمه ومشربه، ومنها ما يتصل بسلوكه وحسه وعمله، ومنها ما يتصل بمصيره، وكما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما من أول السورة إلى هاهنا اثنتى عشرة خصلة: ستة فى الدنيا، وستة فى الآخرة، إذا حدثت هذه علمت نفس ما أحضرت، أى علمت فى ذلك الوقت كل نفس