الآية نزلت فى أبى بكر الصديق رضي الله عنه: حدثنا مروان بن إدريس الأصم حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضي الله عنه عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه: أى بنى أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال: أى أبت إنما أريد- أظنه قال- ما عند الله، قال:
فحدثنى بعض أهل بيتى أن هذه الآية نزلت فيه فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) «١».
وترسى هذه السورة الكريمة مجموعة من القيم وتدعمها فمنها: الدعوة إلى العمل الصالح وعدم التعلل بالمكتوب فى ترك العمل، فكلّ ميسر لما خلق له، فالله سبحانه يجازى من قصد الخير بالتوفيق له ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر.
وقد تضافرت الأدلة من أحاديث النبى صلّى الله عليه وسلم على ذلك منها رواية أبى بكر رضي الله عنه والتى يقول فيها: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مستأنف؟ قال: «بل على أمر قد فرغ منه»، قال: ففيم العمل يا رسول الله؟، قال: «كلّ ميسر لما خلق له». رواه الإمام أحمد، ومنها ما رواه البخارى رضي الله عنه عن علىّ رضي الله عنه قال: كنا فى جنازة فى بقيع الغرقد فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة «٢» فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: «ما منكم من أحد- أو ما من نفس منفوسة- إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة»، فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: «أما أهل السعادة فيسيرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فيسيرون إلى عمل أهل الشقاء ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)، وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق عن سعيد بن عبيدة به.
ومنها كذلك ما روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: أتعمل لأمر قد فرغ منه، أو لأمر تستأنفه؟ فقال: «لأمر قد فرغ منه» فقال سراقة: ففيم
(٢) المخصرة: كالسوط وكل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها، مختار الصحاح ص ١٣٨.