وتقطع هاجر صمت إبراهيم وتريحه من مشقة الإجابة وتقول له: آلله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم: نعم، قالت: إذن لن يضيعنا، وهذه الكلمة من الأم هاجر قمة الحكمة، وقمة التسليم فلا ضياع لإنسان وهو يطيع أمر ربه، ولا ضياع لمن سلم أمره لخالقه. وهذا ما تحقق، فما ضاعت هاجر، وما ضاع إسماعيل، بل كان فى تسليمهما الخير والبركة وعمران المكان عند بيت الله المحرم، فهل يتوقع من إسماعيل أن يكون على خلاف حال أمه، وحال أبيه؟ وعلى ذلك كان قول إسماعيل لإبراهيم: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) [الصافات]. فقول إسماعيل كقول أمه فى التسليم: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ. أى أنه ما دام مأمورا فلا مجال للنظر ولا للرؤية. بل الفعل الفورى والتنفيذ لأمر الله، ويزيد إسماعيل أبيه عونا على طاعة ربه فى أحب الناس لديه: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢). أى لن تسمع منى كلمة تثير فيك عطفك، ولن ترى منى حركة تثير فيك رحمة الأبوة، وتؤثر فى تنفيذك لأمر ربك.
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) [الصافات]، وأصبح إسماعيل فى موضع الذبح، ووضع إبراهيم السكين نودى أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، وفدى الله إسماعيل بالذّبح العظيم، فهذا البلاء العظيم، وهذا الأمر الخطير تم عن طريق الرؤيا لإبراهيم عليه السّلام.
وقد ذكر القرآن الكريم نموذجا منها مع رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم فى قوله تعالى:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ [الفتح: ٢٥].
ولقد تم الفتح المبين على ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى رؤياه الحق على الرغم مما سبق الفتح من أحداث، وشروط أوغرت صدور المسلمين وكانت شروطا فى ظاهرها الظلم ولكنها كانت فتحا وتمهيدا له أيقن به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقبل الشروط، ومنها أن يعود المسلمون عام الحديبية دون دخول مكة وزيارة البيت الحرام، وهذا سبّب غضبا شديدا لدى المسلمين، ورغبة فى مقاومة ظلم الكافرين بدخول مكة ولو حربا، فلم يعطى المسلمون الدنية فى دينهم؟ ولكن اطمئنان
رسول الله صلّى الله عليه وسلم لوعد ربه جعله يرضى بما أملاه المشركون من شروط، وأمر أصحابه أن يذبحوا هديهم، ولكن الغضب ما زال مسيطرا، وغضب الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تذكر له حب أصحابه