مدنية، فتكون هذه المشاهد إخبارا عما حدث فعلا، ولكن الرواية التى ذكرها الواحدى فى سبب النزول والتى يذكر فيها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث خيلا سرية إلى بنى كنانة وأمّر عليها المنذر بن عمرو الأنصارى، فأسهبت (أى أمعنت فى سهب وهى الأرض الواسعة) شهرا وتأخّر خبرهم فأرجف المنافقون وقالوا: قتلوا جميعا، فأخبر الله عنهم بقوله وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) إعلاما بأن خيلهم قد فعلت جميع ما فى تلك الآيات. فإن فى سنده حفص بن جميع وهو ضعيف «١» قال ابن كثير: وقد روى أبو بكر البزار هاهنا حديثا غريبا جدا فذكره، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد «٢» من رواية البزار وقال:
فيه حفص بن جميع، وهو ضعيف، وأورده السيوطى فى «الدر المنثور» «٣» وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبى حاتم والدارقطنى فى (الأفراد) وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعلى ذلك يبقى معتمدا قول ابن مسعود وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة:
إنها مكية نزلت بعد سورة العصر وقبل سورة الكوثر. وأما المقسم عليه بعد هذه التهيئة بذكر الخيل على ما سبق فيتمثل فى حقائق يشاهدها المؤمنون فى الناس، وهذا نوع من بسط الحقائق النفسية التى تفسر للمؤمنين إعراض الإنسان عن ربه وجحوده وعدم الإقرار بما لزمه من شكر خالقه والخضوع له «٤» إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) والكنود قيل فيه: إنه الكفور، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
وقيل: الكنود هو الذى يأكل وحده ويمنع رفده، ويضرب عبده.
وأما الإنسان فقد ذكر الضحاك أنها نزلت فى الوليد بن المغيرة، وقال مقاتل: نزلت فى قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشى «٥».
وهو مع هذا الجحود شهيد على نفسه بما يصنع وهذا قول الحسن وقتادة ومحمد بن كعب وروى هذا عن مجاهد أيضا، وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين أن الله عز وجل على ذلك من ابن آدم لشهيد «٦».
وعلى الوجهين فإن هذا الكشف للنفس الإنسانية أمام المؤمنين يخفف عنهم ما

(١) انظر: زاد المسير لابن الجوزى ٩/ ٢٠٧، والتحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور ٣٠/ ٤٩٧، وروح المعانى للآلوسى ٣٠/ ٢٧٤.
(٢). ٦/ ١٤٢
(٣). ٦/ ٣٨٣.
(٤) تفسير المراغى ٣٠/ ٢٢٣.
(٥) زاد المسير ٩/ ٢٠٩.
(٦) القرطبى ٢٠/ ١٦٢.


الصفحة التالية
Icon