أظهرنا فى المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟. قال: «لقد أنزلت علىّ آنفا سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»، ثم قال: «أتدرون ما الكوثر؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه نهر وعدنيه ربى عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد النجوم فى السماء فيختلج العبد منهم فأقول ربّ إنه من أمتى، فيقول: إنك لا تدرى ما أحدث بعدك» «١».
وقول النبى صلّى الله عليه وسلم فى هذه الرواية: «إنه أنزلت علىّ آنفا سورة» يرجّح قول من ذكر أنها مكيّة، وأنه تكرر حال «٢» نزولها لما فيها من تأكيد العطاء الكثير والخير الوفير من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم تدعيما له فى مواجهة عداوة قومه وسبّهم له وعنادهم. روى البخارى رحمه الله بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى الكوثر: هو الخير الذى أعطاه الله إياه، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر فى الجنة، فقال سعيد: النهر الذى فى الجنة من الخير الذى أعطاه الله إياه، وقال الثورى عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- أيضا- قال: الكوثر: الخير الكثير، وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير ومن ذلك النهر، وقال مجاهد: هو الخير الكثير فى الدنيا والآخرة، وقال عكرمة: هو النبوة والقرآن وثواب الآخرة، وقد صح عن ابن عباس أنه فسّره بالنهر- أيضا- فروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس قال: الكوثر نهر فى الجنة حافتاه ذهب وفضة، يجرى على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من
العسل.
كما روى ابن جرير بسنده عن ابن عمر أنه قال: الكوثر نهر فى الجنة حافتاه ذهب وفضة يجرى على الدر والياقوت ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل. وكذا رواه الترمذى بسنده عن ابن السائب موقوفا، وقد روى مرفوعا فقال الإمام أحمد:
حدثنا على بن حفص حدثنا ورقاء قال: وقال عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الكوثر نهر فى الجنة حافتاه من ذهب، والماء يجرى على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» وهكذا رواه الترمذى وابن ماجة وابن أبى حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب
(٢) انظر: قول الإمام الرافعى فى توجيه ذلك- الإتقان ١/ ٣١.