صلّى الله عليه وسلم قال: «لو أن لابن آدم واديا من ذهب، لأحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب». وقال ابن عباس فى بيان معنى التكاثر: قرأ النبى صلّى الله عليه وسلم: «ألهاكم التكاثر» قال: «تكاثر الأموال، جمعها من غير حقها، ومنعها من حقها، وشدّها فى الأوعية». وذكر المقابر مع ظاهرة التكاثر سبيل قوى من سبل معالجة هذه الظاهرة، وما تحدثه فى القلب من فتن لا ينزعها من القلب إلا بذكر الموت، وما يتبعه من قبر، وكما يذكر القرطبى رحمه الله: لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا فى هذه السورة. وزيارتها من أعظم الدواء للقلب القاسى؛ لأنها تذكّر الموت والآخرة وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد فى الدنيا، وترك الرغبة فيها. قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور؛ فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة» رواه ابن مسعود وأخرجه ابن ماجة، وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: «فإنها تذكّر الموت» وفى الترمذى عن بريدة: «فإنها تذكّر الآخرة». قال: هذا حديث حسن صحيح. وتذكّر المقابر يوقظ الإنسان على حقيقة سعيه وعمله، روى البخارى بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» «١» كما تذكر زيارة المقابر بما يكون بعدها، يقول ميمون بن مهران: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ: «ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر» هنيهة ثم قال: يا ميمون، ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بدّ من أن يرجع إلى منزله: يعني أن يرجع إلى منزله أى
إلى الجنة أو إلى النار. فالزائر سيرحل من مكانه ذلك إلى غيره «٢».
ومما يعين على معالجة ظاهرة التكاثر أيضا أن تهز القلوب هزّا بهذا الوعيد المتكرر بما سيرون من الجحيم. قال الحسن البصرى رحمه الله فى قوله مقامى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤): هذا وعيد بعد وعيد، وقال الضحاك: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) يعنى أيها الكفار ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) يعنى أيها المؤمنون «٢»، ولو علم الناس حق العلم ما سيكون لما ألهاهم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى جاءوا إلى المقابر.
إن أمامهم جحيما مروّعا، فالنار إذا زفرت زفرة واحدة خر كلّ ملك مقرب، ونبىّ

(١) ابن كثير ٤/ ٥٤٤.
(٢) المرجع السابق ٤/ ٥٤٥.


الصفحة التالية
Icon